إلهي، أكّدت للإنس والجن، أنّك خلقتنا لنعبدك "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" "الذاريات آية 56" والعبادة يعني الطاعة مع الخضوع، وعلى هذا الأساس يا إلهي "إياك نعبد" "الفاتحة آية 5" أي نطيع الطاعة التي يُخضع معها، احفظني مِن "مَن كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" روي عن عمار، واحفظني من الذين "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون" "آل عمران آية 167" واحفظني من هؤلاء الذين هم "في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون" "الشعراء آيتان 225-226" "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" "الفتح آية 11" هؤلاء "إنهم ليقولون منكرا من القول وزورا" "المجادلة آية 2".
لقد أمرتني يا إلهي بالاستقامة "فاستقم كما أمرت" "هود آية 112" وأكدت لي بوضوح "فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم" "الشورى آية 15" ومن الاستقامة ضربت لي في القرآن عديد الأمثلة ومنها نهيك إياي عن السب "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم" "الأنعام آية 108".
وقد نهاني خاتم المرسلين رسولك محمد صلى الله عليه وسلم بحفظ لساني من السب في أحاديث عديدة منها نهيه "لا تسبوا الأئمة وادعوا الله لهم بالصلاح فإن صلاحهم لكم صلاح" رواه الطبراني عن أبي أمامة. ونهيه أيضا "لا تمشين أمام أبيك، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له" رواه أبو هريرة، أي لا تعرضه للسب، وتجرّه إليه، بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك.
قال ابن الأثير: وقد جاء مفسّرا في الحديث الآخر "إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه" قيل "وكيف يسب والديه"؟ قال "يسب أبا الرجل، فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه"، وفي الحديث أيضا "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" رواه البخاري عن عبد الله بن عمر.
ومن الأحاديث "لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء" رواه أحمد والترمذي عن المغيرة بن شعبة. كذلك "لا تسبوا الريح فإنها من روح الله تعالى: تأتي بالرحمة والعذاب، ولكن سلوا الله من خيرها، وتعوّذوا بالله من شرها" رواه أحمد وابن ماجة عن أبي هريرة. وأيضا "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة" رواه أبو داود عن زيد بن خالد...
إضافة إلى ذلك، لقد قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا سبّك رجل بما يعلم منك، فلا تسبّه بما تعلم منه، فيكون أجر ذلك لك، ووباله عليه" رواه البخاري عن ابن عمر؛ ووضعني أمام خيار صعب وعسير بمقولته عليه الصلاة والسلام "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" رواه أحمد والبخاري وغيرهما عن ابن عمر.
إلهي، لم أقنط من رحمتك، لأنك أشعرتني أن "من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون" "الحجر آية 56" وإنما سأقتدي برسولك إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي قلت عنه "إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين، شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين" "النحل آيات 120- 122"..
لقد قلت يا إلهي أنا لم أقنط ولن أقنط لأن القنوط يأس من الخير، ولكن سأقنت وسوف أقنت لأن القنوت هو الخشوع والإقرار بالعبودية لله، والقيام بالطاعة التي ليس معها معصية، والدعاء في الصلاة، وبهداية الله ومشيئته سأكون قانتا قائما بجميع أمر الله؛ رجائي منك يا إلهي أن تحفظني من شر أهل ذي الوجهين، ومن شر من يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، ومن نفاق من يقولون ما لا يفعلون، ومن كل من يقول قولا منكرا، الذين "يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف" "التوبة آية 67".
وأتوسل إليك يا إلهي أن تهديني إلى صنف المؤمنين الذين يألفون ويؤلفون، كما جاء في حديث خاتم رسلك صلى الله عليه وسلم "المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف، وخير الناس أنفعهم للناس" رواه الدارقطني عن جابر. وأن يكون سلوكي هو ذات سلوك "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" رواه مسلم عن جابر؛ وشعاري "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه" رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة.
والذي لا يعني هو الفضول كله على اختلاف أنواعه، الذي يؤذي ويسبب الانحراف عن الصراط المستقيم والانسياق في المعاصي وإيذاء الغير، حتى أكون كما وصف الرسول عليه الصلاة والسلام حقا من المسلمين المتمسكين بقيم الحق "المسلمون عند شروطهم ما وافق الحق من ذلك" رواه الحاكم عن أنس وعائشة.
لست أنانيا، بل أرجو من الله أن يهدي كل مسلم لما يرضي الله تعالى، ويهدي أبناء آدم إلى التآلف والوئام والمعاشرة الطيبة السليمة، وأن يسعى أولو الأمر في مختلف دول العالم إلى إعطاء حق كل إنسان حقه مهما كان دينه أو لونه، أو جنسه والله الهادي.
