بسم الله الرحمن الرحيم
لمحات من حياة
الشيخ صالح بن سليمان بن محمد العُـمَـري
( الجزء الأول )
نسـبه :
هو الشيخ المربي الأديب صالح بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مبارك بن عبدالله بن أمين العُـمَـري نسبة إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه • من بني عدي بن كعب من قبيـلة قـريـش •
مولده ونشـأته :
ولد في مدينة بريدة عام 1337 هجرية ، الموافق لعام 1918 للميلاد •
نشأ وتربى في بيئة دينية وتربوية وتعليمية انعكس أثرها عليه في حياته منذ الصغر إلى أن توفاه الله ؛ فوالده الشيخ سليمان بن محمد العُمري من الملازمين للعلماء،وقد أثرت شخصية الشيخ سليمان العُمري في أولاده حيث كان يحرص على تدريسهم القرآن ويحثهم على الاستزادة من العلماء ومحبة مجالسهم وذكرهم فانطبعت صفة حب العلم والعلماء والجلوس للتعلم على أيديهم في نفس ابنه الشيخ صالح العُمري الذي جلس لطلب العلم عند العلماء في مختلف مراحل عمره ، وإضافة إلى أثر والده عليه ، فقد أفاد الشيخ صالح العُمري كثيراً من ملازمته لجده لأمه علاّمة القصيم في زمنه الشيخ عمر بن محمد بن سليم عن ملازمته للشيخ عمر ومعرفته بأحواله وتأثره به يقول :
أما الشيخ عمر رحمه الله فقد ربيت في أحضانه منذ الطفولة ، وكنت في فترة من الفترات أبيت أكثر الليالي في منزله ، حيث كنت أقوم ببعض الخدمة له لأنه جدي لأمي رحمه الله ، ولم يكن له أولاد ذكور في ذلك الوقت ، فكنت أعرف من حاله الكثير مما لم يتيسر لغيري معرفته ، وقد بدأت بالقراءة عليه في عام 1351هـ ولازمته أكثر الوقت إلى أن توفي رحمه الله وأنا عنده في عام1362هـ ".
كما أفاد الشيخ صالح العُمري في نشأته من والدته لولوة بنت الشيخ عمر بن سليم فائدة كبيرة، حيث كانت رحمها الله بحكم تربيتها على يد الشيخ عمر ، ووجود الكتاتيب للفتيات آنذاك ، تجيد القراءة والكتابة وتحفظ كثيراً من سور القرآن الكريم ، فانعكس أثر ذلك على أولادها وفي مقدمتهم نجلها الأكبر الشيخ صالح العُمري • وبالإضافة إلى فائدته من تلك البيئة التربوية الجيدة فقد أفاد الشيخ صالح العُمري من التحاقه بعدد من الكُتَّاب ـ المدارس غير النظامية ـ التي كانت موجودة في بلده • وكانت البداية مع الكُتَّاب منذ السابعة من عمره ، حيث تعلم الكتابــة والقراءة وأصول الحساب وقواعد الإملاء والخط العربي وبعض العلوم الدينية لدى كُتَّاب كل من : الشيخ عبدالعزيز الصالح الفرج ، والشيخ صالح المحمد الصقعبي ، والشيخ عبدالله بن إبراهيم بن سليم • ولم يثن طلب العلم في الكُتَّاب الشيخ صالح العُمري عن الإفادة من علماء مجتمعه وهـو ما أشار إليه حين قال: قرأت على عدة علماء أجلاء وذكر منهم :العلامة الشيخ عمر بن محمد بن سليم والعلامة الشيخ عبد العزيز بن إبراهيم العبادي والعلامة الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن مانع و العلامة الشيخِِ عبدالله بن محمد بن حميد و العلامة الشيخ محمد بن صالح بن سليم و العلامة الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز العبدان والعلامة المربي عبدالله بن إبراهيم آل سليم . وإضافة إلى نشأته العلمية المميزة فقد أفاد الشيخ صالح العُمري من بيئته التي عاش فيها والتي كان من سماتها في ذلك العصر تحمل المسؤولية منذ الصغر .
وفي خلال مراحل الطفولة والطلب تعرف الشيخ صالح العُمري كذلك على مجموعة من الزملاء الذين تأثر بهم ، وتأثروا به ، وتوثقت أواصر المحبة بينه وبينهم وزاد ذلك كلا منهم حرصاً على طلب العلم•ومن أبرز الزملاء الذين ذكرهم الشيخ صالح العُمري عند الحديث عن تلك المرحلة أو خلال دراسته على العلماء وفي الكُتَّاب كل من أخويه الشيخ إبراهيم بن سليمان العُمري والشيخ ناصر بن سليمان العُمري ، والشيخ صالح بن أحمد الخريصي ،والشيخ علي بن إبراهيم المشيقح ،والشيخ علي السالم المحمد السالم ، والشيخ عبد العزيز بن صالح الفوزان ،والـشيخ صالح بن إبراهيم البليهي ، والشيخ عبدالله بن سليمان المشعلي ، والشيخ فهد بن عبدالعزيز السعيد،والشيخ علي بن محمد المطلق .
أثر النشأة والبيئة في تكوين شخصيته:
بدأ نبوغ الشيخ وإفادته من بيئته العلمية تظهر في مرحلة مبكرة من عمره، وهذا مما مكنه وهو ابن الثالثة عشرة من أن يصبح قارئاً في المسجد، حيث كان يقرأ في متون الحديث على جماعة المسجد بعد الصلاة أو بين الأذان والإقامة • ثم يقوم الإمام بشرح ما قرأ وبيان معانيه للجماعة من باب الوعظ والإرشاد،كما استمر ذلك الأثر التربوي ملازماً له في بقية حياته ، فاتسم بعدد من السمات منها حسن المعتقد ، وحب العلم والعلماء ، والنصح والجرأة في قول الحق .
أما عن حسن المعتقد عند الشيخ صالح العُمري فيدل عليه مسلكه الذي كان عليه في حياته من جانب ، ثم الآثار والأعمال التي قام بها من جانب آخر ن كما تبرز هذه السمة عند الشيخ صالح العُمري في الكثير من الكتابات التي كتبها ، سواء أكانت على شكل كتابات صحفيـة ، أم مقالات في مجلات ، أم مؤلفات ، ومن نماذج ذلك ، مثلا ، موقفه من قضية فلسطين ، ورأيه بأهمية غرس العقيدة الصحيحة عند الشعب الفلسطيني باعتبار ذلك أول مراحل العلاج العملية لهذه القضية ، وفي الجانب العملي يوجد العديد من الأمثلة التي تدل على الحرص على تصحيح ما يشوب المجتمع من فساد في الجانب العقدي ، وإن استدعى الأمر الاتصال بالجهات المختصة لذلك • ومن نماذج ذلك ماقام به الشيخ صالح العُمري من تنبيه ومتابعة شخصية مع المسؤولين للقضاء على بعض المظاهر الشركية التي كانت موجودة حول غار الخدير بالجوى قرب العلا ، وكان من ثمار ذلك قيام الجهات المختصة بنسف غار وشجرة كان الناس يتبركون بهما هناك ، أما عن حب العلم والعلماء فشواهده كثيرة جداً وتدل سيرته على أنه كان ذو علاقة وصلة وثيقة بالعلم والعلماء منذ الصغر إلى آخر أيام حياته ويكفينا دلالة على محبته للعلماء حرصه على تأليف هذا الكتاب الذي ترجم فيه لأكثر من مائتين عالم من علماء القصيم ، والذي أضحى مصدراً تاريخياً أولياً ونادراً لعدد من العلماء المترجم لهم بتراجم حفظت ذكرهم ، وحببت الناس فيهم ، وتدل تراجم عدد من العلماء الذين ترجم لهم في هذا الكتاب وفي غبره من المؤلفات على تلك الصلة فيما بينهم وبين الشيخ صالح العُمري وزياراته لهم والمودة لهم . أما عن سمة النصح للعامة وللخاصة ، والجرأة في قول الحق عند الشيخ صالح العُمري فشواهدها هي الأخرى كثيرة جدا فمن ذلك ، مثلاً ، ماذكره في ترجمته لداعية الجنوب الشيخ عبدالله القرعاوي - رحمه الله - من نصح للجنة التي أرسلت لزيارة مدارسه في جنوب المملكة والوقوف عليها وكتابة تقرير لوزارة المعارف حولها ، ومن ذلك اقتراحه ، بل وإلحاحه على الجهات المشرفة على شؤون الحرم المكي ، ممثلة في المشرف على إدارة شؤون الحرمين الشيخ عبدالله بن حميد ، رحمه الله ، بالسعي لفتح أسطح الحرم ليتوسع بها الناس وقت الازدحام ، والتي حين بدئ بتنفيذها كانت ، على ما يبدو ، نقطة انطلاق للتحسينات التي تمت فيما بعد على أسطح الحرم المكي فكانت متسعاً للزوار والمصلين من الحجاج والعمار ، وعلى النهج نفسه كان إلحاحه لدى المسؤولين بضرورة الإسراع في فتح خلوات الحرم مرة أخرى بعد أن اقفلت للترميم وإعادة التصميم إثر أحداث الحرم المكي الشريف في محرم 1400هـ ، واتبع ذلك ببرقية إلى خادم الحرمين الشريفين ، يقترح عليه النظر في إقامة دور علوي للمطاف في الحرم المكي، ومما جاء فيها :
لما نعلمه من اهتمام جلالتكم بأمور المسلمين عامة وراحة حجاج بيت الله الحرام وزواره خاصة ، ولما لاحظنا من تزايد عدد الحجاج والمعتمرين في السنوات الأخيرة واستمرار الزيادة عاماً بعد عام ، ولما يحصل في المواسم من المشقة والزحام في المطاف وحول الكعبة المشرفة ، ولما في شريعة الإسلام من التيسير على المسلمين في أداء شعائر الدين ، فإني أرجو أن يعرض جلالتكم على مجلس هيئة كبار العلماء فكرة بناء دور علوي للمطاف يرتفع نحو ثلاثة أمتار ويكون خارج محيط المطاف القديم على حد المقام وبئر زمزم ، وأن يتفرع جسر يربطه بالدور العلوي من الحرم بمحاذاة الحجر الأسود ليسهل وصول الرؤساء والملوك الوافدين إليه بدون مشقة عليهم وعلى حرسهم والطائفين والمصلين ، ويخصص موقف لموكب الرؤساء والملوك عند مدخل الدور العلوي للحرم مما يلي كبري الصفا بمحاذاة الحجر الأسود وليكون هذا الدور سعة للمسلمين في المواسم ، فإذا قدم زائر كبير ممن يلزم له حراسة خصص له هذا الدور وقت طوافه وهذا أيسر له وللطواف والمصلين وأيسر في الحراسة .
وعلى العموم فيمكن القارئ الاطلاع على بيان أوفى لهذه السمة عند الشيخ صالح العُمري مع توثيق لنماذجها في المؤلف المخصص عن حياة الشيخ صالح العُمري وآثاره ، حيث تشتمل نماذج عـدة من صور قول الحق والنصح فيه عند الشيخ صالح العُمري في القضايا الداخلية ، مثل قضايا الزراعة والمياه ، وفي قضايا التعليم ، وفي قضايا المواصلات والإتصالات ، وفي عدد من القضايا الخارجية ، وبالذات قضية فلسطين ، والعلاقات السعودية المصرية إثر الموجة الناصرية ، ورأيه في جامعة الدول العربية ، وغير ذلك من القضايا المحلية والخارجية التي شارك الشيخ صالح العُمري برأيه وقلمه فيها .
العُمري في وظائف التعليم:
بالرغم من قلة الوظائف الحكومية بل وندرتها آنذاك ، إلا أن الشيخ صالح العُمري كان له نصيب في الحصول علي أحد مقاعدها منذ وقت مبكر من حياته •وكانت أولى الوظائف التي تولاها التدريس في مدرسة بريدة في ربيع الأول عام 1358هـ أي بعد عامين فقط من انطلاقة التعليم النظامي فـي القصيم ، وذلك بافتتاح مدرسة بريدة عام 1356هـ ، وفي عام 1362هـ ، وعلى إثر شغـور وظيفة معاون المدير لمدرسة بريدة رفع الشيخ صالح العُمري إليها ، وحين استعانت مديرية المعارف عام 1367هـ بالشيخ عبد الله بن إبراهيم آل سليم مدير مدرسة بريدة ، لافتتاح مدرسة الرياض وإدارتها ، لم تتردد المعارف في تعيين الشيخ العُمري مديراً لمدرسة بريدة .
وقد كان للنجاح الذي حققه الشيخ صالح العُمري في إدارة مدرسة بريدة ، وتنفيذ المهام التعليمية الأخرى في القصيم دور في سعي إدارة المعارف على استحداث وظيفة معتمد للمعارف في القصيم وتعيينه عليها منذ إحداثها عام 1369 هـ ، لينطلق الشيخ صالح بعد ذلك في عمل دءوب لنشر التعليم في أرجاء منطقة القصيم ، في خطوات موازية لطموحات المسئولين في ظل توجهات الدولة وتمشياً مع النقلة الحضارية التي كانت المملكة العربية السعودية تعيشها ، ومن خلال استعراض ما كتبه الشيخ صالح العُمري عن تاريخ التعليم في القصيم وقصة افتتاح المدارس الجديدة خلال توليه مسؤولية التعليم تبرز عدد من الملامح والسمات التي توفرت لديه والتي وظفها في مصلحة التعليم.
وبالتالي يمكن تتبع أبرز الخطوات التي قام بها ، والسمات العامة للتعليم خلال تلك المرحلة بالآتي :
أولا : بذل المزيد من المحاولات لتغيير نظرة العامة للتعليم ، والعمل على تحريك شعور المواطنين نحو التعليم ، لكسب تأييدهم له ، وتشجيعهم على إلحاق أبنائهم بالمدرسة .
ثانياً : العمل على فتح مدارس جديدة لمواجهة الأعداد التي بدأت تتزايد وبخاصة بعد التغير النسبي في نظرة الناس للتعليم • وكانت البداية فتح مدرستين في بريدة هما المدرسة المنصورية ، ثم المدرسة العزيزية ، خلال عام واحد هو عام 1368 هـ ، و كان ذلك قبل أن يتولى الإشراف على التعليم في القصيم .
ثالثاً : ضـم الكتاتيب للتعليم النظامي ، وهي خطوة إيجابية في سبيل تقدم التعليم الحكومي المنظم ، فقد كان ضم الكتاتيب ذا أثر إيجابي مضاعف لتقدم التعليم النظامي ، فهو من ناحية سيقضي على منافستها للتعليم النظامي ، ومن جهة أخرى سيدعم التعليم الحكومي بالخبرات الموجودة فيها • رابعا : امتاز الشيخ صالح العُمري بفطنة وبحاسة يستطيع من خلالها أن يزن الرجال ويعرف قدرهم في مجتمعاتهم ، وقد ساعدته هذه الخصلة على تطبيق سياسته في اختيار الرجال في تلك المرحلة التأسيسية ، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، وبذل الوسع في سبيل تحقيق ذلك . خامساً : بـذل الجهود مع الأهالي من جهة ، ومع الدولة من جهة أخرى ، ليعم التعليم مناطق جديدة في القصيم لم تنل شرف التعليم النظامي بعد ، إضافة إلى التوسع في المناطق التي كانت قد التحقت في ركب التعليم من قبل ، وتحمل ما واجهه من الصعوبات والمشكلات في سبيل ذلك ، خاصة موقف المعارضين للتعليم بالتهجم والمقاطعة وعدم قبول فتح المدارس.
وبالحكمة واللين والمجاهدة استطاعت معتمدية القصيم في فترة تولي الشيخ صالح العُمري لها أن تنجح في افتتاح ما يزيد على سبعين مدرسة في حوالي سبع سنوات فقط ، وظل الشيخ صالح العُمري قائما بوظيفة معتمد القصيم إلى أواخر عام 1374 هـ ، وهو العام الذي شهد تغيرات في جهاز التعليم ، في أعقاب إحداث وزارة المعارف والتحاق جيل جديد من رجال التعليم فيها ، ففضل الشيخ صالح العُمري بعدها ترك العمل في التعليم ، لينتقل بعد ذلك إلى مجال آخر لا يقل عنه أهمية هو مجال العمل الاجتماعي على نحو ما سيأتي بيانه لاحقاً .
وبالرغم من أن الشيخ صالح العُمري ترك العمل رسمياً في جهاز التعليم ، إلا أنه قد ظل وثيق الصلة بالتعليم والعلم والعلماء ، بل إنه قد سخر تلك الخبرة التي اكتسبها من التعليم في طرح عدد من الآراء التي خرجت مكتوبة من خلال المنابر الصحفية ، والتي كان يهدف منها إلى تطوير الأداء وتصحيح الأوضاع كما وكيفاً حيث قضية تأهيل المعلمين من القضايا المهمة التي كتب عنها كثيرا من المقالات التي أفاد فيها من تلك الخبرات السابقة، ووجه اهتماماً خاصاً بقضية المعلم المدرسي، والسبيل الأمثل لإعداده وتطويره كيفاً ، والسبل التي كان يراها لتغطية النقص الحاصل في هذا المجال كماً ، واقترح بعض الخطوات العملية التي تثري هذا الجانب ، مثل المناداة بإجراء اختبار دور ثان للتوجيهي والكفاءة ،وتعيين خريجي التوجيهي معلمين في المرتبة السادسة والمتوسطة في المرتبة الثامنة،وصرف بدل سكن للجميع أسوة بالمتعاقدين، وترقية جميع رجال التعليم الأكفاء من المعلمين والموظفين الذين أمضوا مدة طويلة في وظائفهم دون ترقية ، وإلغاء المرتبة التاسعة من ملاك المدرسين لأنها كما قال : " لا تليق بمن يطلب منه تربية الجيل ".
وفي مقالة أخرى عن أوضاع المعلمين كتب تحت عنوان ( متناقضات ؟! أزمة مدرسين وجامعيون عاطلون ) تطرق الشيخ صالح العُمري إلى قضية ستين خريجا جامعيا في ذلك الوقت لم تسارع وزارة المعارف لتوظيفهم رغم الحاجة إليهم ، وشدد على ضرورة الإسراع في توظيفهم . ورد الشيخ صالح العُمري في مقالته هذه على الحجج التي قد تحتج بها الوزارة أو المبررات التي قد تبديها وراء عدم تعيينهم ، ثم قال بكل قوة وصراحة :
إن الوزارة لا تشجع المدرسين الوطنيين على اختلاف طبقاتهم وتباين مؤهلاتهم ، وقد نادينا في أعداد سابقة من هذه الصحيفة بإنصاف المدرسين الوطنيين وتشجيعهم ، ومع ذلك فلم نجد لذلك أي أثر يذكر ، وإذا كانت الوزارة المحترمة تبعث المندوبين للبنان وسوريا والأردن والسودان للبحث عن المدرسين أليس من الأولى والأجدر بها أن تقدم المواطنين على غيرهم ؟ أليس من الواجب المحتم على الأقل أن يساووا بالأجانب ؟ لا أدري ماذا ستقول الوزارة إجابة على هذه الأسئلة ، ولكن المؤكد أنها ستعلل بتعليلات غير مقبولة من المواطنين .
إن الشعب يحمل المسئولين في الوزارة تأخر الدراسة بسبب هذه الأعمال التعسفية التي تعامل بها المدرس الوطني" ، يبدو أن الحكومة تجاوبت مع تلك النداءات من الشيخ صالح العُمري وأمثاله من الغيورين على مصالح بلادهم ، ووجهت لذلك اهتماماً خاصاً لقضية تأهيل المعلمين من الوطنين لسد الحاجة في هذا القطاع المهم ، ومن أبرز ما تم في ذلك توسيع معاهد المعلمين والرفع من مستوياتها التعليمية ، وافتتاح المعاهد التكميلية لخريجيها القدامى ، ثم افتتاح كليات خاصة بالمعلمين إضافة إلى تأهيل المعلمين تربوياً في كليات الجامعات التي انتشرت في أرجاء المملكة العربية السعودية ، ويضاف إلى ذلك تعديل سلم رواتب المعلمين الذي كان له دور كبير في جذب اهتمام الخريجين لهذه المهنة العظيمة ، وكان نتيجة لذلك الاهتمام المتواصل أن ارتفعت معدلات الاكتفاء الذاتي من المعلمين الوطنين في مراحل التعليم العام إلى درجات عالية جداً ، وفي فترة زمنية تعتبر قياسية في عمر الدول النامية ، ولم يقصر الشيخ صالح العُمري اهتمامه في قضية تأهيل المعلمين على مراحل التعليم العام ؛ الابتدائية والمتوسطة والثانوية ، بل إن المراحل العليا من التعليم الجامعي أخذت نصيبا جيدا من كتاباته المتعددة ومن أبرز ما يشار إليه في هذا الجانب ما كتبه من اقتراح جريء ومبكر في عمر التعليم العالي في المملكة العربية السعودية ، يرشح فيه مجموعة من العلماء والمفكرين السعوديين للإسهام في التعليم الجامعي . ومن قضايا التعليم التي أخذت حيزا من اهتمامات العُمري قضية التعليم المهني وضرورة العمل على تشجيعه لفقر البلاد للمهنيين في مجالي الإنتاج والصيانة .